يُعرّف البحث العلمي على أنّه سلوك إنساني يسعى إلى التثبّت من صحة معلومة، أو فرضية، أو توضيح لموقف أو ظاهرة، وفهم أسبابها، وطرق معالجتها، أو التوصل إلى حل عملي ناجح لمشكلة معيّنة، أو التعامل مع سلوك اجتماعي يهم الفرد ومجتمعه، ولكي يكون البحث العلمي ناجحاً لا بدّ من أن يتميّز بمجموعة من المميزات، علماّ بأنّ منها ما هو مرتبط بأخلاقيات البحث العلمي، ومنها ما هو مرتبط بشكل البحث، ومحتواه، وتسلسل الأفكار فيه، وهذا المقال مخصص لتوضيح هذه المميزات، من خلال شرحها، والتفصيل في بعضها.[١]
مميّزات البحث العلميّ الناجح
التزام البحث بالعناصر الأساسية المعروفة للبحث العلمي
تتكوّن الأبحاث العلمية عادة من مجموعة من العناصر المتّفق عليها لدى أغلب الجهات الراعية للأبحاث، فيما على الباحث التقييد بها جميعها، وفيما يلي توضيح لهذه العناصر:[٢]
- الصفحات التمهيدية: تشتمل على صفحة العنوان، وصفحة كلمة الشكر، وصفحة الإهداء، ومحتويات البحث، وقائمة الجداول، والأشكال إذا تطلّب الأمر.
- المقدمة: يجب أن تتكوّن المقدّمة من تمهيد يفصّل مشكلة البحث، ويُبيّن عناصره بشكل دقيق، كما يذكر الأهمية العلمية التي سيضيفها الباحث في مجال تخصصه.
- التمهيد: في هذا الجزء يتم توضيح التساؤل العام للدراسة، والتساؤلات الفرعية، إلى جانب بيان أهداف البحث، وتوضيح المفاهيم والمصطلحات المتعلّقة بموضوع البحث، كما تُعرض فيه الدراسات السابقة المرتبطة بالبحث، وتوضّح نقاط الالتقاء والاختلاف معها.
- العرض أو محتوى الدراسة: في هذا الجزء يتم عرض الجانبين النظري والتطبيقي للدراسة بتسلسل منطقي وصولًا إلى النتائج، إلى جانب الإجابة عن سؤال البحث، أو عرض حل لمشكلة البحث.
- الخاتمة: تُعدّ الخاتمة خلاصة الدراسة التي يعرض فيها الباحث كل الانتقادات، والاقتراحات التي قدمها في بحثه.
- قائمة المصادر والمراجع: يضع الباحث في هذه القائمة كافة المصادر والمراجع التي استخدمها بشكل مرتب ومنظم، على أن يبدأ بالمراجع العربية أولًا، ثم الإنجليزية.
- الملاحق: في الملاحق يُضمِّن الباحث المعلومات التي يرى بأنها مهمة ولكنه لم يتمكن من إدراجها داخل العرض، ويجب أن تكون الملاحق مرتبطة بموضوع الدراسة بشكل مباشر، وذات قيمة وأهمية علمية تدعم البحث وتقويه.
بناء مشكلة البحث على أسس محدّدة
من سمات البحث العلمي الناجح ارتباطه بمشكلة تستحق الدراسة والجهد، فقد يتم اختيار مشكلة البحث وفقًا للعامل الانفعالي أو العاطفي، أو وفقًا لأول فكرة تعرض للباحث وتلامس شغفه، والحقيقة أنّ اعتماد الشغف أو الانفعال اللحظي لا يكفي إذ يجب أن يرتكز البحث على مصادر يستمد منها مشكلته، وهي: الدراسات السابقة، والمؤتمرات العلميّة والزيارات الميدانية الاستطلاعية، ومقابلة الخبراء، فقد يتبين بعد ذلك صحة اختيار المشكلة وقد يتبين العكس، ففكرة البحث الناجح تأتي وليدة التأني وعدم التسرع، لأنّ البحث الذي يستمد مادته من الانفعالات العاطفية فقط، قد يواجه مشاكل في الموضوعية والمصداقية لاحقاً.[٣]
اختيار موضوع البحث بدقة
لكي يكون البحث العلمي ناجحاً، لا بدّ من أن يتم اختيار موضوع البحث من قبل الباحث والمشرف معاً، إذ يجب أن يُؤخذ بعين الاهتمام حداثة موضوع البحث واشتماله على قيمة علمية مضافة إلى ما سبقه من إنجازات علمية، وألّا يكون تكرارًا لها أو دورانًا حولها، كما يجب التنبّه إلى وفرة المعلومات متنوعة المصادر والمرتبطة بموضوع البحث، والتأكّد من توفّر الوقت، والإمكانات المادية لدى الباحث خاصة في بعض الأبحاث التي تتطلّب تجارب متعددة قبل اختيار الموضوع، كما يجب أن يكون البحث محدداً وغير متشعب؛ حتى يدرسه الباحث بشكل دقيق وموجّه إلى الهدف مباشرة.[٤]
الحياد والأمانة العلمية
من أبرز أسباب نجاح البحث العلمي اتّصافه بالأمانة العلمية، والموضوعية، ولكي يتّسم البحث بالأمانة العلمية يجب أن يتميّز بمجموعة من الصفات التي توضّحها النقاط الآتية:[٥]
- الإشارة بطريقة معينة إلى الكلام المنقول عن آخرين حرفياً أو بالمعنى، وقد يُشار إلى ذلك بالتصريح كتابة، أو باستخدام الأقواس بحسب المتعارف عليه لدى لجنة البحث العلمي المشرفة على البحث.
- التنوّع والبعد عن اعتماد مجموعة محدّدة من المؤلفين الذين لديهم ميول خاصة، أو اعتماد مؤلفين معروفين بعدم الدقة، وعدم الأمانة العلمية.
- اعتماد المراجع الموثوقة ويُفضّل أن تكون حديثة، والبعد عن الأخذ من مقالات عشوائية.
- المصداقية عند سرد المراجع، وعدم ذكر مرجع في قائمة المراجع لم يتم استخدامه في البحث.
- الدقة في كتابة الهوامش التي تحتوي على المصادر والمراجع كي يتم التعرف على المصدر والتوصل إليه.
- عدم بتر النصوص أو الأفكار، أو التحيّز بقصد أو بدون قصد عند النقل الحرفي أو نقل الأفكار.
- نسبة الأفكار إلى أصحابها اعترافًا بحقوقهم الفكرية.
الموضوعـية والتـناسـب
تتحقّق الموضوعية والتناسب، والترتيب المنطقي في البحث العلمي من خلال مجموعة أمور تتلخّص في النقاط الآتية:[٥]
- التناسب بين عنوان البحث ومضمون البحث بحيث يعبّر العنوان عن المضمون بشكل دقيق.
- وضوح هدف البحث مع إمكانية التتبّع السلس لمحتويات الدراسة من البداية حتى النهاية.
- الانسجام بين الدلائل المقدّمة والنتائج، بحيث ترتبط النتائج ارتباطاً واضحاً بالدلائل المقدمة دون تحيّز.
- مراعاة الترتيب المنطقي في الأبواب، والفصول، والفقرات، إلى جانب التناسب في حجم الأبواب، والفصول، والمباحث.
التـنبـّؤ
يُقصد بالتنبؤ القدرة على التوقّع، وتتوفر هذه الميزة في العلوم الطبيعية لإمكانية التنبؤ بوقوع ظاهرة معينة تبعاً لظروف محددة، وجودة البحث العلمي في العلوم الطبيعية مرتبطة إلى حدّ كبير بتحقيق التوقعات الناتجة عن الأبحاث، وأبسط مثال على ذلك التنبؤ بحالة الطقس أو الأحوال المناخية، وتجدر الإشارة إلى أن الأبحاث العلمية في مجال العلوم الاجتماعية قد تفتقر إلى هذه الميزة؛ نظرًا لخضوعها للعديد من المتغيرات، وتأثّرها بعوامل داخلية وخارجية.[٦]
تناسق الشكل الخارجي للبحث، وسلامة اللغة والقواعـد
يجب أن يلتزم البحث بشكل محدّد يتم توضيحه من خلال تعليمات لجنة البحث العلمي ليظهر عليه، وهو ما تحدّده أمور تتعلّق بالمسافات أعلى الصفحة وأسفلها، ويمينها ويسارها، وتناسق المسافات الفاصلة بين الفقرات، ونوع الخط، ونمطه... إلخ، أمّا بالنسبة للغة فيجب أن تُكتب الرسالة بلغة علمية سليمة خالية من الأخطاء اللغوية والمطبعية، وتتميّز الكتابة العلمية بأنها واضحة، ومباشرة، ومعبّرة عن المعنى بأقل عدد ممكن من الكلمات بعيداً عن الاستعارات، والتشبيهات، واللغة الأدبية، وبعيداً عن اللبس والغموض.[٥]
مرور البحث بمرحلة المراجعة من قبل متخصصين
لا يمكن إغفال جانب الإخراج النهائي للبحث العلمي عند الحديث عن مميزات البحث العلمي الناجح، إذ يجب أن يُعرض البحث على متخصصين في الجانب اللغوي لمراجعته إملائياً ولغوياً، بالإضافة إلى عرض البحث على متخصّصين لمراجعته من الجانب المنطقي الأكاديمي قبل تقديمه بصورته النهائية، وختاماّ تجدر الإشارة إلى أنّ الصورة النهائية للبحث العلمي تخضع لمعايير تقرّرها الجهة التي سيقدم إليها البحث، لذلك لا بدّ من القراءة والاطلاع على هذه المعايير كي يقدّم البحث في أفضل صورة ممكنة.[٧]
المراجع
- ↑ الدورة التدريبية حول مناهج وأساليب البحث العلمي، البحث العلمي ماهيته وخصائصه، طرقه ومراحل إعداده ومصادره، صفحة 1. بتصرّف.
- ↑ عباس أيوب ، منهجية البحث العلمي، صفحة 33. بتصرّف.
- ↑ عباس أيوب، منهجية البحث العلمي، صفحة 24. بتصرّف.
- ↑ كمال دشلي، منهجية البحث العلمي، صفحة 77. بتصرّف.
- ^ أ ب ت جامعة المثنى، مواصفات البحث العلمي الجيد، صفحة 1-2. بتصرّف.
- ↑ كمال شلبي، منهجية البحث العلمي، صفحة 38. بتصرّف.
- ↑ كلية التربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كتابة الرسائل العلمية بكلية التربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية_.pdf دليل كتابة الرسائل العلمية، صفحة 7. بتصرّف.